شارك مع اصدقائك

22 أغسطس 2012

من قلب سوريا..أخترق ساحات الحرب فى سوريا ومخيمات اللاجئين فى تركيا.. طبيب يؤكد: لا نملك إلا ضمادات جراح وبعض الشاش والجهات التركية لا تسمح بعبور الشباب لإحضار الدواء


تستطيع أن تشعر بمعنى الظلم والقهر وأن تشتم رائحة الموت مع أولى خطواتك داخل الأراضى السورية بين جحيم القصف الغاشم من النظام السورى وذل اللجوء فى المخيمات على الحدود التركية، فى كل شبر على الأراضى السورية الموت يحلق فوق الجميع، البيوت دمرت وسقطت على رؤوس أهلها، وطلقات الرصاص احتفظت لنفسها بمكان مميز على جدران المنازل والحارات، آثار دماء أصحابها لاتزال عالقة بها، أما عن المستشفيات الميدانية، فحدث ولا حرج آلاف المصابين يفقدون أرواحهم يوميا بسبب فقر الخدمات تارة، وعلى أيدى شبيحة.






7 قرى هجرها أصحابها دفنوا شهداءهم وفروا بما تبقى لهم من أطفال ونساء، البعض رفض ترك الأرض وفضل الدفاع عنها لآخر رمق، والبعض الآخر لايزال عالقا على الحدود ماهو بلاجئ ولا هارب. 36 ساعة، يوم ونصف قضتها «اليوم السابع» داخل الأراضى السورية، فى رحلة تقرأ تفاصيلها على مدار ثلاث حلقات، تجول خلالها بين مناطق القصف والدمار، عاش مع مجاهدى الجيش الحر ودخل معسكراتهم والتحم بآلام المصابين على الحدود، طاف بالمستشفيات الميدانية ونقل مخاوف طائفية قادمة إلى سوريا، تحاور مع أحدث كتيبة عسكرية منشقة فضحت جرائم الأسد ضد شعبه ورصد فى الحلقة الأولى التى بين يديك رأى أحد قادة التيار الإسلامى فى سوريا، معبرا عن اقتناعه بأن الحكومات الإسلامية هى الأفضل لدول ما بعد الربيع العربى فقط، إذا حصلت على الفرصة كاملة.

◄كيف تعيش قرى سوريا تحت الاحتلال؟

◄المدارس والوحدات الصحية أصبحت مخابئ للأهالى من بصاصى النظام.. وكتائب الجيش الحر خلايا نحل لتأمين اللاجئين

◄شباب سوريا يعودون من الخليج لمواجهة قمع الأسد.. والعائلات بين حطام القصف






لم يحتمل بكاء والدته وهى تستحلفه ألا يعود مرة أخرى للوطن حتى لا يلاقى نفس مصير أخيه أو أبيه، مرسلة له آلاف الطمأنات بأنها ستلجأ غدا مع أهل الحى للحدود السورية التركية للانضمام لأحد معسكرات اللاجئين، سيف الإسلام أصغر مجاهدى الجيش الحر ابن الـ22 عاما، رحل هو وأصدقاؤه من الجالية السورية المصرية إلى وطنه اشتداد غلظة النظام على الشعب السورى الذى وصفه بأنه نظام «عدو للوطن وبلا رب الأنانية مذهبه والقتل دينه وقبلته».

36 ساعة نهار ونصف قضتها «اليوم السابع» داخل الأراضى السورية، على مدار ثلاثة حلقات تجول بين مناطق القصف والدمار، عاش مع مجاهدى الجيش الحر ودخل معسكراتهم والتحم بآلام المصابين على الحدود، طاف بالمستشفيات الميدانية ونقل آلام الطائفية القادمة من سوريا، تحاور مع أحدث كتيبة عسكرية منشقة فضحت جرائم الأسد ضد شعبه.





كان لقائى مع سيف الإسلام فى إحدى المقاهى التركية، تحدثت مع الرجل وشرحت له مقصدى بالتفصيل من الرحلة، وبالفعل الرجل كان على أتم استعداد لمساعدتى.

فى صباح اليوم التالى راجعنا وجهتنا مع أبومالك، وفى تمام الثانية ظهرا قمنا بتأجير عربة من تركيا بحجة مزيفة، المقصد التنزه فى حدائق الزيتون، المدة يومان، وبعد ساعة ونصف توجهنا خلالها لقرية الريحانية التقينا بشخص من أبناء الجيش السورى الحر، مهمته إيصال المعونات والصحفيين لداخل سوريا فيما بعد قابلناه داخل سوريا وقت وقوع القصف يساعد فى نقل الجرحى من حلب لحدود سوريا.

استقبلنا الرجل وطلب منا الحذر والانصياع لتعليمات سيف الإسلام.. الدخول للحدود السورية تطلب عبورنا ضمن قافلة معونات طبية تابعة لاتحاد أطباء العرب يحميها مجموعة من المجاهدين من جبهة الإغاثة السورية، بعد 15 دقيقة كنا أمام سياج حديدى يفصل بين الحدود السورية والتركية، مئات اللاجئين السوريين لايزالون عالقين على الجانب السورى لم يسمح لهم بالمرور بعد، لعدم توفير معسكر مناسب يضم تلك الأعداد الكبيرة، وهو ما قاله لنا أحد الشباب من الجيش السورى الحر كتب على صدره كتيبة الجهاد الإسلامى، عشرات من أبناء الجيش السورى الحر كانوا أيضا متواجدين جميعهم لمساعدة اللاجئين يرتدون زيا عسكريا حتى لا يكونوا فريسة سهلة للجيش النظامى.



أعداد اللاجئين الكبيرة جاءت زاحفة للحدود حال بيننا وبين الدخول للمعسكر اللهم بعد 4 ساعات من الانتظار، ولكن لاقتراب النهار على المغيب أصبح من الصعب استكمال مهمتنا، وقتها عرض علينا أبومالك - من شباب الجيش الحر - بلجنة الإغاثة والصديق المقرب لسيف الإسلام الاستضافة بمنزل والديه بين زوجته وأطفاله على أن نبدأ رحلتنا فى صباح اليوم التالى.

قضينا ليلتنا بقرية أطمة أو الحصن الصغير قرية أول شهيد عبدالقادر قدور، الواقعة شمال غرب حلب على بعد 3 كيلومتر من الحدود السورية بمنزل أبومالك بين أسرته المتواضعة استقبلتنا الأم قائلة «لا تشعروا بأى خوف، أنتم بين أهلكم».

القرية رغم نضارتها وانتشار مزارع الزيتون والفواكه بها فإنها أصبحت يابسة من الحزن، مئات الأهالى هجروا منازلهم بعد اشتداد عنف النظام وتحولت لملجأ مؤقت لغيرهم من النازحين، المدارس تحولت لآلة جهادية تستقبل يوميا عشرات اللاجئين السوريين تمهيدا لنقلهم إلى الحدود السورية، وأحيانا لعيادات لاستقبال الجرحى، القصف المستمر أثر على قوة الكهرباء، وبالتالى مدى توفر المياه بالقرية، حيث يؤكد الأهالى أنهم يقضون فترات تصل لأيام دون كهرباء أو مياه، معظم الشباب بالقرية كانوا كغيرهم ينعمون بدول الخليج لكن جميعهم عاد بلا تردد بعد قصف أرضهم.


على مسافة 10 كيلومتر من قرية أطمة بقرب بمنطقتى دارة عزة أصوات القصف رغم بعد المسافة نسمعها بوضوح حتى الساعات المتأخرة من الليل، أصوات الهاون وطلقات الرشاش المتعاقبة وأصوات الرصاص المكتوم، فى إحدى مدارس القرية، قابلنا مهيب تدور أحد أطباء مدينة حلب والمسؤول عن خدمة النازحين الذى أكد لنا أن الأعداد تزداد يوميا من النازحين بالقرية لاعتبارها أقرب قرية حدودية، قائلا: «أطمة تعتبر أكثر القرى أمانا لخضوعها تحت السيطرة الكاملة للجيش الحر بعد مقاومة مع النظام لمدة ثلاثة أشهر، لذا يلجأ إليها آلاف النازحين، بعضهم يستقر ليلة والبعض الآخر يعبر فى نفس الليلة»، مضيفا: «الشباب مقسم كل له دوره الخاص يقوم به، فنحن بمدرسة أطمة الإعدادية واجبنا تقديم وجبات الإفطار وتنظيم مبيت النازحين».

بجواره كان يقف ثلاثة صبية من أبناء القرية المتطوعين للمساعدة ورجلان يشتركان فى نفس المهمة، أحمد الشيخ مهندس زراعى، مهمته بالقرية إيصال اللاجئين من حلب إلى القرية، تحدث قائلا: «بعد عجز المنازل بالقرية نقوم بتسكين الأهالى بالمدرسة أو بالمستوصفات الطبية بدلا من انتظارهم فى الشارع».

دقائق وحان أذان المغرب، الجميع استعد لتقديم الإفطار، التمر السورى ظهر أولا، ثم وزعت أكواب الليمون المنزلى، الأطباق رصت وبعض الأطعمة المنزلية الصنع ظهرت على مائدة كبيرة استعدادا لتوزيعها على الأهالى، الجميع كان مشاركا فى تأمين كل احتياجات النازحين.

فى صباح اليوم التالى توجهنا مباشرة لمنطقة الأتارب على بعد 35 كيلومترا عن القرية شمال غرب سوريا، إحدى القرى المحررة من الجيش السورى النظامى بعد مقاومة دامت 6 أشهر أسفرت عن تشوه ملامح القرية بالكامل، كان دليلنا شاب يدعى أبوحاكم 22 عاما، قائد كتيبة الشهيد عبدالقادر وكتيبة الشيخ أحمد عبدالواحد عاد كغيره من شباب القرية من دول الخليج إلى سوريا بعد الثورة، على طول طريق قاح عدد من المدن المحررة بعد فترة مقاومة طويلة مع النظام، على جدران القرى كتب أفراد المقاومة كلمات ثورية تلعن النظام وأعوانه «ارحل.. الحرية للشعب والموت لبشار».

على بعد 15 دقيقة من السير صعودا وهبوطا بطريق قاح السهلى مررنا على قرية صغيرة تدعى دير حسان، منازل القرية بسيطة متقاربة من بعضها البعض بعضها اعتمد على الطوب الأبيض، على جدرانها نفس الكلمات الثورية المناهضة لنظام الأسد، قبل الوصول لمدينة الدانة قابلنا أحد الأكمنة المهجورة لكتيبة للجيش السورى الحر والتى تعرضت للقصف عدة مرات وسقط منها عشرات الشباب، الكمين لايزال على حالته الدشم والحواجز الحديدة لم تتحرك وأثار الدماء واضحة، على بعد دقائق أصبحنا نسير بطريق باب الهوى الطريق المخصص لسير دبابات الجيش النظامى، ويقطع عددا من قرى كقرية سرمدى وقرية كفر كرمين جنوب قرية سرمدى والأقرب لقرية الأتارب.



قرية الأتارب أحد أهم المدن التى تعرضت لعمليات منظمة من القتل والإبادة من الجيش النظامى السورى، فجدران القرية لاتزال تحفظ بآثار القصف، الحطام منتشر فى كل مكان وآثار الحريق منتشرة على مسافات قريبة من المنازل، طلقات الرصاص تحتفظ لنفسها بمكان مميز على جدران المنازل، على أعتاب القرية وبالقرب من نقاط التفتيش التى كانت تابعة للنظام السورى يوجد رافعتان حربيتان لدبابات النظام السورى احترقتا.

عائلات قليلة جدا استمرت فى القرية رفض بعضهم التحدث معنا ليس خوفا من نظام الأسد ولكن لفقدانهم الأمل فى إمكانية إصلاح ما أفسده نظام ما يعرفش ربنا - على حد تعبير إحدى السيدات - البعض الآخر أكد على رفضه القاطع هجرة أرضه حتى لو أصبحت كتلة من حطام، أبوالمجد أحد الأهالى بالقرية قال «الموت أو النصر ما فى نقاش، وبشار وأعوانه هم من سيتركون أرضنا وليس نحن أو سيكون مصيرهم كمصير القذافى».

بنهاية القرية وعلى بعد 30 كيلومترا يقع معبر باب الهوى النقطة الفاصلة بين حلب وريف سوريا، تلك المنطقة لاتزال تحت قبضة الجيش السورى النظامى، لم نستطع الاقتراب منها أكثر من 3 كيلومترات فالقناصة منتشرون على أسطح المنازل، بعد 15 دقيقة قضيناها بقرية الدانة جاء لنا أحد المدنيين مسرعا على موتوسيكل يحذرنا بضرورة العودة وعدم استئناف الطريق لاقتراب 100 دبابة حربية تابعة لنظام الأسد تسير الآن على طريق باب الهوى قرب منطقة هزانة متجهة لحلب كتعزيزات عسكرية للنظام بعد اشتداد القصف صباح هذا اليوم على مدينة إدلب، وهو ما يعنى اقترابهم من موقعنا على بعد 10 دقائق، على طول طريق العودة أصبحنا نحذر الجميع من عدم الاقتراب من طريق باب الهوى، تحركات الأسد أسفرت عن سقوط شهيد فى عائلة أبومالك، صباح الثلاثاء.. استشهد عاصم.

4◄ ساعات على الحدود «السورية - التركية».. ولقاءات مع لاجئين وأهالى المصابين

◄أهالى الضحايا: ننتظر بالساعات والجريح ينزف على المعبر فى انتظار عربة إسعاف .. والسلطات التركية تؤكد: لا وجود لنازحين على الحدود

يجلسون تحت عرائش الزيتون والعنب يحتمون من حرارة الشمس الحارقة التى تلازمهم منذ ساعات وأحيانا أيام، بعضهم يجلس مع أفراد أسرته والبعض الآخر يجلس متوترا مشدود الأعصاب أمام دماء أخيه، منتظرا إذن السلطات التركية بفتح المعبر للمرور أو وصول عربة إسعاف.

«هؤلاء هم الإرهابيون الذى يقتلهم النظام».. هكذا قال كارم عبدالرحمن، 33 عاما، مشيرا لوالدته الجريحة التى أصيبت إثر قصف الجيش السورى النظامى لباب الهوى ويداه تحمل دماءها وملابسه شبه ممزقة من أثر القصف، وقبل أن يكمل جملته تعالت صرخات والدته، سمعناها جميعا ليجرى فى حاله صراخ مستغيثا بإدارة المعبر العسكرية، مناجيا كبير القوات أن يسمح له بالعبور بوالدته التى فقدت دماء تكفى لقتلها.

محاولات مستميتة هادئة أحيانا وخارجة عن السيطرة أحيانا خاضها أهالى المصابين مع السلطات التركية للسماح لهم بعبور المصابين تحت أى شرط. أبوالقاسم يقول: «كل يوم تقريبا ونحن على هذا الحال نأتى بعشرات الجرحى وننتظر قدوم عربة إسعاف تستغرق وقتا أطول من اللازم قد يكفى لقتل المصابين.. ألا يكفى على السوريين ظلم بشار؟».

دقائق وجاءت عربة أخرى مكشوفة تحمل ثلاثة جرحى مصابين بجروح مختلفة فى الصدر والرقبة والبطن، بالأعلى يقف شاب يحمل «كوفرته قماش» كبيرة رابطا كل طرف منها فى أحد جوانب العربة حتى يشكل مظلة لطيفة على رؤوس المصابين تحميهم من حرارة الشمس، وبالجانب الآخر يحاول شخص إيقاف النزيف عن طريق تضميد الجروح بالشاش، فى محاولة بائسة لإبقاء الجرحى على قدر من الوعى لأطول فترة ممكنة، لحين مجىء عربة الإسعاف.

20 دقيقة أخرى مرت بعد الساعة التى انتظرها الأهالى على أبواب الحدود من الاتجاه السورى، حتى جاءت عربة إسعاف واحدة طاقتها لا تحتمل أكثر من جريحين فقط، رغم وجود 6 جرحى وقتها على الحدود، وبعد مفاوضات مضنية تمت الموافقة على مصاحبة مرافق واحد للجريحين.




لحظات غير إنسانية يتعرض لها اللاجئون السوريون على الحدود التركية، رغم تقدير السوريين أنفسهم بالمساعدات والدور التركى الذى يحسب لها، إلا أن البيروقراطية أحيانا تلعب دورا كبيرا ليس فى محله.

يقول أبورجب، أحد أفراد الإغاثة بالجيش السورى الحر، المسؤول عن نقل المصابين من الحدود التركية: «عشرات الحالات يوميا على هذا الحال، والطريق الذى يقطعه الجريح لا يتحمل الانتظار لوقت طويل»، ليشير فى عصبية بيديه لصخرة على آثارها دماء جافة، قائلا: «هذه دماء شخص توفى هنا على يدى أحد الزملاء بسبب انتظاره دقيقة لحين مجىء عربة إسعاف تركية، رغم وجود عربة تسهل انتقاله، ولكنه نزف الكثير والكثير من الدم على أثرها فارق الحياة».

لم يستطع أبورجب استكمال حديثه لاستدعائه عبر جهازه النقال «الوكى توكى»، للحضور فورا عند باب الهوى لإحضار مزيد من المصابين بعد قصف قوات الأسد مدينة حلب، فى نفس التوقيت كان زميله فى المهمة الإغاثية أبوجهاد يستعد لنقل أحد المصابين لعربة الإسعاف، حاملا أحدهم فى بطء شديد حتى لايهتز جسده ويعاود النزيف من جديد، فالجميع يعمل كخلية النحل، كل له دوره المحدد سواء داخل أو خارج الحدود.

على الطرف الآخر من الحدود تجلس مئات الأسر السورية، جاءوا من مناطق مختلفة بسوريا، فهنا أسرة من حلب، وأخرى جاءت من دمشق، وعلى بعد خطوات أسرة جاءت من الريف، أما هناك فأسرة جاءت من قرية قريبة صباحا بعد تعرض أرضها للقصف.. مضمون الحكاية واحد، ولكن أحداث القصص تختلف باختلاف الزمن والمكان، وترتيب القدر لكل شخص.

كانت الساعة تشير لاقتراب موعد الإفطار عندما قام عمر وهو يحمل زجاجة بلاستيكية شبه مهشمة ليتوجه لعربة تحمل المياه ليعبئ مياها حلوة للإفطار، يقول عمر: «بقالنا ثلاثة أيام على هذا الحال نبات بالعراء ولايسمح لنا بدخول المعسكر لحين إتمام الإجراءات»، ليتساءل فى توتر: «أى إجراءات يمكن أن تسمح بمبيت أسرة بأكملها فى منطقة تمتلئ بالثعابين والعقارب، فنحن فى النهاية نجلس بالصحراء؟».

تحت عريشة زيتون لإحدى الشجيرات المعمرة داخل الحدود السورية جلست عائلة الحاج عبدالرحمن قدورة، تحتمى من حرارة الصحراء بظلها، عندما اقتربنا منهم كانوا صامتين، على وجه كل منهم تعبير مختلف تماما عن الآخر، فالأم حزينة تقرأ القرآن الكريم للتخلص من همومها، والأب أشاح بوجهه للسماء يربت على كتف حفيده كأنه يشعر قلة الحيلة، والفتاة أسندت ظهرها لجذع الشجرة تحتضن قدميها باتجاه صدرها لا تعلم ولا تفهم لون مصيرها القادم. يقول قدورة صاحب الـ55 عاما: «نجلس هنا منذ أمس، وكلما حاولنا الاستفسار عن سبب تأخيرنا فى الشمس والتراب يرد علينا ضابط الحدود يترجمها رفيقه العسكرى: لايوجد مكان، انتظر قليلا»، أسقط الرجل قناع التماسك وبعد دقيقة واحدة من حديثه فوجئنا بدموعه تنهمر على وجهه، تبعها بكاء ابنته الجالسة عند الشجر، ليقول لنا: «لا مفر من قضاء الله ولانملك غير قول حسبى الله ونعم الوكيل، وقريبا جدا سنعود لأراضينا».

مع اقتراب الشمس من الرجوع للخلف معلنة عن اقتراب موعد أذان المغرب لإفطار لمسلمين، بدأ الشباب المتطوع من كتائب الجيش الحر المختلفة، المسؤولون عن العمل داخل الحدود ضمن مهمات شباب لجنة الإغاثة فى إحضار بعض حبات التمر والبدء فى توزيع وجبات بسيطة، لكنها تسد الرمق.

من جانب آخر، حاولنا التحدث مع إحدى الجهات السيادية المسؤولة عن اللاجئين فى تركيا، المفاجأة أن هذا الشخص رغم رتبته العالية نفى تماما علمه بوجود لاجئين على الحدود ممنوعين من الدخول أو ينتظرون على الحدود على لائحة الانتظار، مؤكدا نصا: «لايوجد شخص سورى واحد على الحدود، كل من يأتى فور اقترابه من الحدود يدخل فورا وبلا حتى جواز سفر».

◄المستشفيات الميدانية تصرخ من شدة الإهمال ونقص المواد الطبية

◄القائمون على المستشفى الميدانى يشكون ارتفاع أسعار شراء الدواء وتعنت الجهات التركية فى عبور المدنيين بالدواء

هنا تضمد جراح مصاب بطلق نارى، دماؤه تنزف ولا تتوقف وهناك يصرخ طبيب من فقر الإمكانيات طالبا المزيد من القطن والشاش، وعلى أبوابها تتوافد الإصابات متدرجة الخطورة، بعضها يحصل على ما يستحقه من إسعافات والبعض الآخر يضطر مسعفوه لتركه لصعوبة حالته التى لا تتناسب مع إمكانيات المستشفى الميدانى، هكذا كان المشهد فى منزل بسيط مكون من طابقين ملك لأحد أبناء محافظة سوريا تبرع بها من أجل الجرحى السوريين، إلا أن إمكانيات المستشفى أحيانا لا تسعف أطباءها لإنقاذ أرواح المرضى، كل ركن بالمستشفى الميدانى السورى يعيد إلى ذهنك مشهد المستشفيات الميدانية بميدان التحرير، الإمكانيات المعدمة، أطباء متطوعون، مكان بسيط وجنود مجهولة منهم من يحاول نقل جريح ومنهم من يقرأ له الشهادتين.





فى إحدى المدن الحدودية بدولة سوريا يوجد مستشفى ميدانى صغير تحت رعاية منظمة «أطباء بلا حدود» يستقبل يوميا آلاف الجرحى، رغم الإمكانيات الهزيلة والتى تكاد تكون معدمة يحاول تضميد جروحهم بما يملكه تمهيدا لنقلهم لأقرب مستشفى بتركيا، حاولنا الدخول لقلب المستشفى لتصوير المرضى والاقتراب من حالة المشفى إلا أن كبير أطبائها رفض دخولنا أو حتى التصوير، حتى لا تظهر الصور أى علامة تدل على موقعها قائلا: «هذا المستشفى الحدودى الوحيد، الجميع تم قصفه بسبب بصاصين النظام».

القائمون على خدمة المستشفى الميدانى لم يمانعوا من الحديث معنا، رائد قدور 22 عاما مهمته شراء الأدوية من تركيا وإحضارها للمستشفى وصف حال المستشفى قائلا: «المشفى يعانى من نقص فى أهم الإمكانيات فأغلب الإسعافات الأولية ليست موجودة، لا نملك جهازا للأشعة ولا جهاز تنفس، فضلا على غلاء أسعار الأدوية التى نحضرها بمجهودات أهل القرية الذاتية».

ليلتقط منه طرف الحديث مصعب العلى 22عاما «المستشفى لا يضم إلا بعض الشاش والقطن لوقف النزيف، وكل فترة يزداد حال المستشفى سوءا، لأن المعونات التى تأتى لنا من فترة لأخرى من الدول المجاورة لا تستمر لأسبوع واحد وأحيانا كثيرة لانستطيع حتى العبور للطرف الآخر لإحضار الأدوية».




الأمر يزداد سوءا مع المصابين إصابات خطيرة على أثرها يفقدون الكثير من الدم، فالمستشفى الميدانى الوحيد لا يملك القدرة على إيقاف النزيف، يقول أبوفجر: «ضمادة وقف النزيف نستوردها من أمريكا، الضمادة الواحدة تكلف 150 دولارا».


يقول أبومالك توفى أحد أقاربى بالمستشفى الميدانى أمامى، كان مصابا بقطع بالرقبة وطلقة بالقدم، إصابته أفقدته الكثير من الدماء ولم أستطع مساعدته، لأول مرة أشعر بالعجز وأنا أمام مريض.



لم تكن الحالة التى شهد عليها أبومالك الوحيدة ولكنها كانت واحدة من عشرات الحالات البائسة التى لاقت حتفها بسبب ضعف الإمكانيات الطبية، أبوعمار كان هو الآخر شاهد على حالة فقدت حياتها فى 12 دقيقة قائلا: «الأسبوع الماضى فقد مصاب بثلاثة رصاصات فى أماكن متفرقة من جسده حياته ولم يستطع المقاومة أكثر لعدم وجود إمكانيات طبية فارتفعت درجة حرارته وتوفى».


ويضيف قائلا: «ناشدنا كثيرا الجانب التركى أن يسهل لنا الدخول والخروج لجلب الدواء بدلا من الاعتماد على المهربين، فنحن بذلك نتكبد ضعف ثمن الدواء، من جهة لشرائه ومن جهة أخرى عمولة المهربين».

لم يقتصر حال المستشفى الميدانى على تلك الأزمة، بل تعرض المستشفى أكثر من مرة لهجوم «شبيحة النظام» على أثره أصيب عدد كبير من الأطباء.

يقول أبوعمرو: «نوفر حراسات بالأسلحة بشكل دورى لأطباء المشفى، وذلك بعد انتشار البصاصين والتابعين للنظام، واضطررنا لنقل المشفى لأكثر من منطقة لحماية أطبائه المتطوعين، فنظام الأسد لم يرحم أناسا تفارق الحياة».





لا يستطيع المستشفى الإبقاء على أى مريض حتى لو كانت حالته خطيرة، فهو لا يملك أسرة أو حتى مايكفيه من المحاليل الملحية، فضلا على موقعه غير الصحى وسط غبار القصف والصحراء، بعد 15 دقيقة من تواجدنا أمام المشفى سمعنا أصوات صراخ، أم فقدت طفلتها صاحبة الـ12 عاما متأثرة بجراحها غارفة فى الدماء، مرددة، حسبى الله ونعم الوكيل، الله أكبر عليك يابشار.

يقول أحد الأطباء بالمستشفى - رفض ذكر اسمه - «إسعاف المرضى لايتم بالدواء وإنما بقدراتنا الذاتية كأطباء، فالمشفى لا يمتلك أهم الإمكانيات، وحالات كثيرة نضطر لتركها لصعوبة مساعدتها، فالمشفى لاتضم إلا ضمادات وشاش، وأحيانا لا نجده فنعتمد على بعض الملابس النظيفة لكتم الجراح».









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق