شارك مع اصدقائك

27 سبتمبر 2014

خالد صالح.. البركان الذى انطفأ جاء متأخرًا ورحل مبكرًا.. «خالد» مات يا مصر


لا شك أن خبر وفاة الفنان خالد صالح اليوم كان صدمة كبيرة للمصريين، الذين أحبوا هذا الرجل الذى بدأ رحلت الفنية كبيرا وهو فى العقد الثالث من عمره، ورحل صغيرا فى العقد الرابع، بعدما قدم للسينما والتليفزيون الكثير من الأعمال الدرامية المتميزة التى وضعت اسمه رغم قصر المدة بين كبار النجوم، بفضل الحب والتجربة كما يقول الشاعر محمود درويش.


التقيته مرة واحدة أثناء أحداث محمد محمود عند ماسبيرو، ومن كثرة الذين تجمعوا حوله لم أتمكن من الحديث معه، قلت ربما تأتى الفرصة، لكن الأقدار حتما تسبق.



الفرصة الأخرى المواتية أن أفتح ملفا عن رحلة خالد صالح، كفنان وإنسان، رحلة 16 سنة من الفن والعطاء والمواقف، حيث بدأ فى سن متأخر، 36 سنة، فى عام 1998، وقدم خلالها قرابة 30 عملا ما بين السينما والتليفزيون وكأنما يصارع قصر العمر، غير ما قدمه للإذاعة والمسرح، آخرها مسلسل (حلاوة الروح) هذا العام والذى شعر خلال تصويره بوخزات قلبية عنيفة، وتصعد روحه رغم رحلة علاجة القصيرة وعملية تغيير صمام القلب فى مستشفى مجدى يعقوب لبارئها، (خالد مات يا مصر).. بالإسقاط على دوره فى فيلم (هى فوضى)، الذى لقى مصرعه فى نهايته، حيث استقبله رواد تويتر والفيسبوك بـ(حاتم مات يا مصر) ، و(اللى مالوش خير فى حاتم مالوش خير فى مصر).

بدأ على الهامش كهاوٍ واكتشف بصدفة كوميدية
خالد صالح من مواليد القاهرة عام 1964، تخرج فى كلية الحقوق، وبدأ التمثيل فى سن مبكر، كهاوٍ وليس محترفا، على هامش الفن، من خلال مسرح الجامعة والهناجر بالأوبرا المصرية لفترة طويلة، وكان بجانب ذلك يمارس مهنته فى المحاماة ويعترف لأصدقائه والمقربين أنه يأكل عيشه من مرافعاته القانونية، والتمثيل بالنسبة له هواية محببة يمارسها على مسرح الهناجر ومن قبل مسرح الجامعة (مابتأكلش عيش).

ما قبل ظهوره القوى، كانت الصدفة، حيث اختاره المخرج السورى أنور القوادرى فى فيلم (جمال عبد الناصر) 1998، لمجرد تشابه بينه وبين صلاح نصر، واختارته إنعام محمد فى مسلسل (أم كلثوم) 1999 لأنها رأت أيضا فيه شبها بمأمون الشناوى، أدوار صغيرة بحكم صدفة التشابه لا حجم الموهبة ولم تكن كافيه لشهرته أو ظهوره، وإن وضعت قدمه على عتبات السينما والتليفزيون.

ثم كان دوره فى مشهد واحد من فيلم (محامى خلع) 2002، الدور الذى أشاد به النقاد وأضحك الجمهور ملء حلوقهم، وتحدثت حوله طويلا مجلة (سينما أونلاين)، كموهبة قديرة ووجه سينمائى كبير رغم كبر سنه وتأخره فى التمثيل، ثم راهن عليه الفنان أحمد السقا فى فيلم (تيتو) 2004، ووصفه قبل عرض الفيلم بأنه (موهبة قنبلة) واكتفى بذكر أدواره الصغيرة بجانب اسمه (خالد صالح)، وقدم بالفعل دوره الصغير فى (تيتو) الذى كان النقلة الأساسية له لعالم آخر من النجومية، وبداية جديدة فى 2004، لتتوالى من بعده الأدوار والأفلام والمسلسلات، عشر سنوات فقط، ولكنها غزيرة فى إنتاجه ومواقفه وإنسانيته، بين كبار النجوم خصوصا خالد الصاوى الذى جمعت بينهما صداقة كبيرة وتواصل مستمر، وشاركا سويا فيلم (الحرامى والعبيط) 2013، وفيلم (الجزيرة2) المقرر عرضه خلال موسم عيد الأضحى المقبل.



بين السينما والتليفزيون.. بحرٌ من الحب بركانٌ من الغضب
تميز خالد صالح فى أعماله بالجمع بين الشئ ونقيضه، وأنه يصلح لدور الشرير قاسى القلب والمجرم والبلطجى كما فى فيلم (هى فوضى) 2007 ومسلسل (فرعون) 2013، كما يصلح لدور الهادئ طيب القلب الحبوب النبيل كما فى (أحلى الأوقات) 2004 ومسلسل (تاجر السعادة) 2009.

وقد أشاد النقاد بأدواره فى السينما وإتقانه للدور القصير الخاطف، وتعرض لسيل من النقد فى ظهوره ببعض الدراما التليفزيون خصوصا فى المواسم الرمضانية، حيث إنه وفق آراء النقاد يصلح للسينما القصيرة أكثر من الدراما الطويلة، وركزوا حول صدقه وتلقائيته وعدم افتعاله الأدوار، بل اعتبره البعض امتدادا فى الأدوار المعقدة لمحمود مرسى وزكى رستم ومحمود المليجى.

تنوعت أدواره جدا، مهرجا فى (محامى خلع) 2002، ورجل مبارك والنظام البائد فى (عمارة يعقوبيان) 2006 و(هى فوضى) 2007 و(الريان)2011 و(فرعون) 2013، ومحتالا مزورا فى (ابن القنصل) 2010، والمواطن البسيط الموظف أبو صلعة وكرش فى (أحلى الأوقات) 2004 ، والفارس الجميل الحبوب النبيل فى (سلطان الغرام) 2007 و(تاجر السعادة) 2009.. إلخ.



خالد صالح متظاهرا فى التحرير
كان خالد صالح من المشاركين بقوة فى ثورة الخامس والعشرين من يناير مع جموع المصريين فى الميادين، وفى أحداث محمد محمود، بجانب صديقه خالد الصاوى، ومن أشهر ما يثبت موقفه هذا الإعلان المنشور على اليوتيوب بصوته، ومن شعر مصطفى حلمى، حيث يبث مقاطع للثورة بأدائه الهادئ المتميز وصوته العاطفى الأجش:

بتوع الثورة عاوزين إيه
وليه لسه مخلصتش
صبرنا كتير
تعبنا كتير
ولسه الناس مامشيتش
شوارع سد
ميدان مقفول
وزادت زحمة على زحمة
لا حطت زيت فى طبق الفول
ولا رخصت كيلو اللحمة
ولسه كلنا بنشقى
ولسه كلنا غلابة
ما نبنا منها غير الغاز وصورة جنب دبابة
ما فيش وزير ولا مسؤول
هيفلت تانى بعد الكذب
ولو رأيك مخالف قول
دا حتى الكنبة بقالها حزب
معتش الظلم يخرسنا
معتش الخوف يرمينا
معتش المصرى بيطاطى
خلاص صوته بقى مسموع
ولو حاكم طلع واطى
هيصبح عندنا مخلوع
خالد صالح يترك بصمته الإنسانية فى المدينة التى توفى بها
عرف عن خالد صالح حبه لأعمال الخير، تكريم متفوقين، حفل أيتام، إعالة فقراء ومحتاجين، وكان قد توجه منذ فترة قصيرة وهو فى أوج دوره بمسلسل (فرعون) إلى أسوان، حيث زار مستشفى سرطان الأطفال هناك، راسما البسمة على شفاه المرضى الصغار، كسفير للأمل والحب والتفاؤل وتبرع بجزء من ماله، ولم يكن يعلم أنه سيكون محتجزا عقب بصمته هذه فى أسوان بمركز مجدى يعقوب للقلب، حالته متأخرة، ويحتاج إجراء عملية تغيير صمام بالقلب، ورغم إجرائه لها وبإشراف من مجدى يعقوب شخصيا، إلا أن حالته كانت غير مستقرة، والمنية أقرب إليه.. ليرحل صباح اليوم، مودعا جمهوره، وأصدقاءه، ومحبيه، ليودع سنوات التمثيل المراهقة، وبدايات الظهور الصدفة، وعشر سنوات من الشهرة والتألق والأعمال الكثيرة وكأنه يبارز قصر العمر، جاء متأخرا ورحل مبكرا، وتركنا فى صدمة، (تاجر السعادة) لم نشتر منه بالقدر الكافى، ولم يعرض بضاعته فى أسواقنا المرئية طويلا، عاش صالحا ومات خالدا، أبكى العيون وأرق الأفئدة، ليس فى مصر فحسب، وإنما فى الكويت حيث يعمل أخوه وتونس والدول العربية، محبته منزرعة فى القلوب لإنسانيته ومواقفه، الإنسانية التى لا يحدها زمن ومكان، ولا تحتاج لوسائط وإنما تسرى كالهواء، وداعا خالد صالح، وبالمشابهة بين دورك كمواطن بسيط فى (أحلى الأوقات) 2004 حيث أرضيت زوجتك يسريه ببوكيه ورد، كلنا سنضع الورود على قبرك، لأنك أرضيتنا برحلتك القصيرة وغيابك المفاجئ.. وداعا!